عرض المقال
سنابل القمح ضد أشواك الصبار
2013-04-07 الأحد
الفتنة الطائفية صارت خبزنا اليومى، وأصبح من العادى والمألوف أن نستيقظ على صراخ ورصاص وجثث ونزيف بسبب رسم صليب هنا أو علاقة حب هناك، من الكشح إلى الخصوص تشتعل الفتنة بترانيم فى أحد البيوت التى لا يتحرك أهل القرية الغلابة الذين لا يجدون قوت يومهم ولا يخرجون شاهرين سيوفهم إلا عند سماع الترانيم أو رؤية الصلبان، يبدأ الاقتتال بمياه غسيل تنقط من بلكونة المسيحى على بلكونة المسلم، ويتأجج حين يتزوج سواق الميكروباص المسلم الذى يشرب البانجو ويسب الدين كل صباح من التلميذة المسيحية الفقيرة التى تخطو أولى خطواتها على عتبات المراهقة وتشتاق إلى الهروب من أسر الأسرة المذعورة، ويهربان فيفور الدم وتتحرك القبيلة هنا وهناك ويبدأ نهر الدم فى السريان، قرى فقيرة يشرب فيها الغلبان المسلم فضلاته ولا ينتفض، ويتليف فيها كبد المسيحى ولا يثور، وإنما الانتفاضة والثورة فقط حين يظهر طيف صليب أو شبح هلال لنقع فى وهم أن مجرد هتاف «يحيا الهلال مع الصليب» بوابة الحل وطوق النجاة!، يتساءل المرء: هل خلق الإنسان من أجل خدمة الدين أم خلقت الأديان لسعادة الإنسان ولبهجة البشر ولجعل حياتهم ذات جدوى وذات جمال وذات ألق وروعة ونفع؟، هل الدين صار نصاً مستغلقاً على الفهم بشفرة سرية أم هو قاموس سهل وبسيط مفرداته ومعانيه فى متناول أى إنسان بسيط يتصل وريد قلبه بيد السماء الرحيمة التى تطبطب على كتف الإنسان الذى أصابه الوهن من الشقاء والتعب؟، لماذا حولنا الدين إلى نصل خنجر وهو فى الأساس عقد فل وياسمين؟، لماذا صار الدين لدينا أحراشاً وغابات وهو فى الأصل نهر خير معطاء وجدول حنان رقراق ونبع حب لا ينضب؟، لماذا صارت وظيفتنا هى حماية الرب من عدوان الآخرين والأصل أن الرب يحمينا نحن والآخرين؟!، لماذا اغتصبنا سلطة الله فى الحساب وانغمسنا فى مستنقع محاكم تفتيش النيات نحاسب بعضنا البعض على ذنوب لم نقترفها؟ فما ذنب المسيحى أنه ولد مسيحياً وما ذنب الهندوسى والبوذى والكونفوشيوسى أن ولدوا على أرض وفى عائلة وبين أفراد مجتمع يتبنى هذه العقائد؟!، أسئلة لا يتوقف أمامها أحد وعلامات استفهام لا تستفز عقلاً من العقول المصرية التى بططها بلدوزر العنصرية البغيضة فانسحقت، الله حضن كبير يسعنا جميعاً، الدين محبة ورحمة ومصدر أمان وسكينة وحب وسماحة، لماذا حولنا حقول حنطته إلى أشواك صبار؟، ولماذا نصر على احتكار وظيفة المتحدث الرسمى باسم الخالق وهو الذى أمرنا بإعمار الأرض وتأجيل الحساب ليوم الحساب؟، لم تنهض دولة فى التاريخ تبنت الصراع الدينى دستوراً لها، بل دخلت هذه الدول إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها، ونهضت وتقدمت الأمم التى تحولت إلى بوتقة انصهر فيها الكل فى سبيكة المواطنة التى لا تسأل مواطناً عن ديانته بل تسأل عن كفاءته، هذا هو التقدم وهذه هى الحضارة.